ما ستقرأ الآن هو رأيى فى السلفية كتيار وليس كمنهج، ليس لأنى لا أمتلك حق نقده، ولكن لأننى لم أدرس أصول الفقه التى تؤهلنى لمناقشة تعقيدات المناهج والمذاهب، أردت أن أكتب عن السلفية لسببين: أولاً لأن اللغط المثار بين أصدقائى فى الموضوع كثر، وكما تعرفون فليس للمرء إلا.... مرارة واحدة، والإطناب فى موضوع واحد قد يفقع.... مرارتك، وثانياً أننى خسرت أشخاص من قبل أن أقابلهم، وأنا أكره خسارة الأصدقاء المحتملين وإن كنت أرحب بخسارة من أعرفهم ممن ينتمون لتيار المجاهدين الجدد، وهو موضوع يستفزنى كثيرا وأريد أن أكتب عنه، ولكن أريد أن أوضح هنا أننى لست فى موقع الدفاع عن نفسى أو عن أفكارى، أنا فقط أوضح أرائى حتى لا أُفهَم بشكل يخالف أفكارى التى أؤمن بها.

دعونا أولا نتفق على عدة أشياء: أولا أن الإسلام جاء لعدة أشياء منها هدم السلطة الدينية للأشخاص "ما أنا إلا بشر مثلكم" وأنه "كل يؤخَذ منه ويرد إلا رسول الله" وانه حدث أن "أصابت امرأة وأخطأ عمر"، وأن "القرآن حمّال أوجه"، وفى رأيى فإن هذا حدث لهدم الإستبداد الدينى، الذى هو أخطر أنواع الإستبداد-طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد- فالناس جميعا سواسية تحت تلك المظلة، فـ"إن أكرمكم عند الله اتقاكم, وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوىمن حقك أن تختلف معى حول أشخاص، لكن أن تضع أشخاص بعينهم فوق النقد فهذا هو الشرك بعينه، ثانيا أننى إذا قررت أن أتجاوز فى نقد أحدهم فإن هذا يجعلنى "قليل الأدب"، لكنه لا يخرجنى من الملة! وأنا سأحاول فعلا تقليل قلة الأدب وإعارتهم إهتماماً من الأساس للأسباب التى ستلى ولأننى أنتقد أشخاص أصبحوا مقدسين لموحّدين تربوا على أن الدين هو جلباب أبيض ولحية، ومهما كان اختلافى مع هؤلاء فأنا لا أرضى أن أكسر صورة رموز لهم، وإن كنت أحتفظ بهذا الحق

حجم السلفيين

السلفيون ظلّوا تحت الأرض لعقود طويلة، خفت القبضة فى الثمانينات ثم عادت لتزيد فى التسعينات، فخفت مجددا لمواجهة الإخوان، وإن كانت قد خفت فى أحيان، فالقبضة ظلت دائما محكمة بشكل ما، ما جعلهم "البعبع" المثالى للمصريين، أن صوتهم مرتفع، وهو ما قد يدفعك لإعتقاد انهم أقوياء، متجهمين فى معظم الأوقات، وهم غامضون نتيجة القمع، ولأن أجهزة الأمن تعرف أنهم فئة صغيرة وأن معظم المصريين وسطيين يعملون العقل كما فعلوا لقرون طويلة حين تبنت مصر المنهج الأشعرى، فقد خوفونا منهم فى ذروة الثورة، نفس الشيء حاصل الآن فى سوريا إلى حد تصويرهم كعصابات مسلحة، أستطيع أن أنعتهم بالتشدد، لكن ليس بالإرهاب، هناك فارق كبير بين السلفية والسلفية الجهادية، لكن لماذا فعل النظامان المصرى والسورى ذلك؟ لأن المصريين والسوريين شعوب منفتحة على العالم، مجددة، نشأت بها ديانات عدة وخفتت أخرى، خرج منها علماء مجددون فى الإسلام، وقديسون لدى المسيحيين، المفارقة أن ما حدث فى اليمن كان العكس تماماً، حين حاول على عبدالله صالح تخويف اليمنيين فى الثورة حذرهم من الإختلاط، لأن اليمن مجتمع محافظ ومنغلق جدا، قبلى، إن حصل ذلك فى مصر أو سوريا لمات المتظاهرون من الضحك

ميزة مصر الكبرى كما وصفها جمال حمدان فى "شخصية مصر" هى الموقع والموضع، مصر تقع فى وسط العالم، لكن كونها ممر لم يحولها إلى دولة سائلة بلا هوية، لأن تضاريسها جعلتها محمية من الاختلاط بشكل كبير بالغزاة والمارين عبرها، هى إذا كخلاط كبير، لكنه ليس مفتوح ليخلط أى شيء وينتج شعب مائع بلا هوية واضحة، تضاف إليه مكونات تحافظ على تطوره لكن ببطء، فليبرالية مصطفى النحاس وسعد زغلول لم تكن الليبرالية التى تسمح بالشذوذ والإستنساخ والإجهاض، الخلاط طرد كل من حاول إقصاء الآخر، فالمذهب الشيعى-كما أعرف على الأقل- لم يتغلغل فى مصر فى عهد الدولة الفاطمية، الخلاط لم يدع للفرنسيين الالتصاق بالنسيج المصرى، وإن كان قد أخذ العناصر المفيدة فقط فى سنوات قليلة، اما اليمن فهى تقع على ناصية واحد من أهم مضايق العالم، لكن جبالها عزلتها ومنعتها من الاختلاط،

المشكلة الأساسية للسلفيين، والتى تستفزهم كثيرا، هى أنهم يدركون تماما أنهم زلطة لا تُخلَط بالنسيج المصرى، الذى احتضن حضارات كثيرة، حين جائت إلى مصر نعمت، فمسلمى مصر ليسوا كمسلمى الجزيرة-التى انطلقت منها رؤيتهم، كانوا انعم، يهود مصر ليسوا كيهود اليمن-قبل خروجهم، حين جاء الإسكندر أدرك أن عليه دخول الخلاط، فذهب إلى كهنة أمون فى سيوة، إذ اننا مختلفون عن مصدر السلفية من حيث الظروف، التى تخرج الرؤى.

التعاطف الظاهرى-كما أزعم- مع السلفيين مبنى على غزو ثقافى قوى من أمريكا والغرب عموماً، بدأ مع فتح السوق المصرية فى عهد السادات ووصل ذروته مع ذروة المحافظين الجدد فى أمريكا، يكافح المصريون هذا الغزو بتشدد ظاهرى لم ينغرس فى النسيج المصرى، يلجأ المصريون إلى التشدد الظاهرى لمقاومة الإذلال الذى تعرضو له لعقود، ولضعف أصاب الأزهر بسبب التبعية الظاهرة لمبارك، لكنه أثبت أنه شعب متمدن فى الثورة، حتى إسلاميوه كانوا وسطيين، يصرخون مع علمانيوه وحتى مع ملحدوه "مدنية"-تذكر الشاب الملتحى الذى يصرخ فى أحد تغطيات الجزيرة بالإنكليزية: إن كنت مسلما، مسيحيا، أو حتى ملحدا-لم يستخدم لفظ كافر- فستقف هنا وتقول لا

إذا فهم ضعاف، والنظام كان يفهم هذا جيدا، ويستخدم بعضهم لتخويفنا

(http://www.shorouknews.com/ContentData.aspx?id=322076)

نهاية الحقبة السعودية

هم يدركون هذا الضعف، وهذا هو سبب ارتفاع صوتهم، وهذا الضعف يزداد مع الوقت، وهو ما يفسر زيادة الإعتذارات عن الإهانات التى وجهت فى المساجد-حازم شومان ويعقوب- وميل البعض الأخر الى تخفيف الصوت لإعادة طمأنة الجماهير التى بدأت تنفض من حولهم-كمحمد حسان الذى لم يعد قادر على استفزازى كما كان يفعل، حتى السلفيين الجهاديين، الجماعة الإسلامية التى روّعت المصريين لسنوات طويلة، عقدت مؤتمرا داخل "مقام أحد الأولياء" بالقرب من الكرنك.. أصنام!

الخلاط توصّل إلى تأسيس دولة مدنية تطورت على مدى أكثر من مائتى عام، وهو بأى حال من الأحوال غير قابل لإعادة المكونات لشكلها الأولّى، إذا الدولة المدنية أصبحت شيء لا رجعة عنه عند المصريين، خصوصا مع إضفاء صبغة دينية على مبدأ الدولة المدنية فى عصر المجددين، محمد عبده والكواكبى(سورى) والطهطاوى ومع كتابات كبار كعلى عبد الرازق، ومع ثورة 19 ومع إجبار النحاس باشا الملك فاروق على حلف القسم أمام البرلمان وليس أمام شيخ الأزهر.

مع إنتهاء الحقبة السعودية

http://www.shorouknews.com/Columns/Column.aspx?id=428242

فَهِمَ من حصلوا على سلطة ليست من الإسلام فى شيء، وإن كانت من الإسلام فهى ليست بالتأكيد إلا لمن درسه، فهموا أن الخلاط على وشك طرد أفكارهم، ليعود للتفسيرات المعتدلة لدينه، لذا فهم يقاومون بشراسة من يدافع عن حياته، ويشغلوننا عن قيام الديموقراطية، وأنا لا أشكك فى نوايا الجميع، لكن النقاش حول شيء بديهى كمدنية الدولة، وأشياء لا معقولة ك"غزوة الصناديق" وإقتحام مسجد النور أكثر من مرة ورفع الأسلحة البيضاء على إمامه، إنما هى محاولة لإعادتنا إلى الوراء، لنبدأ من الصفر، لا لأن نلتفت إلى الديموقراطية الناشئة

http://www.shorouknews.com/Columns/Column.aspx?id=435286

وهو أحد الأساليب التى اتبعتها السعودية لمقاومة موجة الثورات العربية فى الخمسينات والستينات ضد الملكيات والمحتل، ولأن النظام السعودى هش، والقبيلة ضعيفة، فالإعتماد على الوهابيين الجدد، وعلى مقاومة الثورة هنا، فى مصر، قبل أن تذهب إلى هناك-تطمينات شرف فى الخليج لم تكن تتمحور حول الأمن، ولكن حول أن مصر لن تصدّر ثورتها، إذا فكلمات كـ"الناس اختارت الدين واحنا بقى بتوع الدين" لا يمكن أن تفيد إلا النظام السعودى

لكن التاريخ يقول أن أفكارهم لن تبقى طويلا وستتطور مصر وتلفظ من هادنوا النظام، وسيتطور خطاب المتدينين ليناسب العصر، وستضمهم احزاب وحركات اسلامية مجددة كالاخوان والعمل والوسط، وسيرتفع الدين بترفّع رجاله عن السياسة

أعتذر عن أى أخطاء إملائية وأعتذر عن أى ضيق سببته لأى شخص بتهجمى على من يعتبرهم رموز فى الأيام الماضية، وإن كنت أحتفظ بحقى فى نقدهم البنّاء وفى عدم إعتبارى لهم رموزا